هو من أسمى المقامات وأرفع المراتب القلبية، إذا تحقق به المؤمن استطاع أن يتلقى نوائب الدهر وأنواع المصائب بإيمان راسخ، ونفس مطمئنة، وقلب ساكن، بل قد يشعر بالسرور والفرح بمُرِّ القضاء، علما منه أن ربّه وحبيبه هو الذي ابتلاه، لأن "الله سبحانه مالك الملك، يتصرف فيه بمقتضى حكمته ومشيئته، وكل تصرف منه إنما يجري وفق مشيئته التي وضعها في الكون وقوانينه المضطردة في الوجود...
هو من الإيمان بمنـزلة الروح من الجسد. وبه تفاضل العارفون. وفيه تنافس المتنافسون. وإليه شمر العاملون. وعمل القوم إنما كان عليه. وإشاراتهم كلها إليه. وإذا تزوج الصبر باليقين: ولد بينهما حصول الإمامة في الدين. قال الله تعالى وبقوله يهتدي المهتدون: ﴿وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون﴾
أول هذه الأوصاف: أنه مثال المراقبة: فقد راقب النموذج بدون انقطاع، على خير الوجوه مراقبة مباشرة سلوك نموذج آخر أخذ بدوره عن غيره بنفس الطريق، وهكذا صُعُدا إلى رسول الله ﷺ، فتسلفه معاينة خاصة لأفعال السلف القريب، فالسلف البعيد، فالأبعد، فالأبعد منه، فالرسول عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا، فلسلوك النموذج سند عملي متصل كما يكون للحديث سند قولي متصل.